فصل: الخبر عن مهلك المشيخة من المصامدة بتلبيس أبي الملياني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن انتقاض بني كمي من بنى عبد الواد وخروجهم بأرض السوس:

كان هؤلاء الرهط من بنى عبد الواد من بطون بني على من شعب أبي القاسم وكانوا يرجعون في رياستهم إلى كندوز بن كمي ولما استقل زيان برياسة أولاد علي بن ثابت بن محمد من أولاد طاع الله ونفس عليه كنذوز هذا ما آتاه الله من الرياسة وجاذبه حبلها واحتقر زيان شأنه فلم يحفل به ثم تأشب عليه أخلاط من قومه وواضعه الحرب وهلك زيان بيد كندوز وقام بأمر أولاد علي جابر بن يوسف بن محمد ثم تناقلت الرياسة فيهم إلى أن عادت لولد ثابت بن محمد واستقل بها أبو عزة زكرار بن زيان ولم تطل أيامه والتحم بين أولاد كمي وبين أولاد طاع الله وتناسوا الإحن وصارت رياسة طاع الله لولد يغمراسن بن زيان واستتبعوا قبائل عبد الواد كافة واعتمل يغمراسن في الثأر بأبيه زيان من قاتله كندوز فاغتاله ببيته دعاه لمأدبة جميع لها بني أبيه حتى إذا اطمأن المجلس تعاوروه بأسيافهم واحتزوا رأسه وبعثوا به إلى أمهم فنصبت عليه القدر ثالث أثافيها تشفيا منه وحفيظة وطالب يغمراسن بقية بني كندوز ففروا أمام مطالبته وأبعدوا المذهب ولحقوا بالأمير أبي زكريا بن عبد الواحد بن أبي حفص فأقاموا بسدته أحوالا وكانوا يرجعون في رياستهم لعبد الله بن كندوز ثم تذكروا عهد البداوة وحنرا إلى عشير زناتة فراجعوا المغرب ولحقوا ببني مرين أقتالهم ونزل عبد الله بن كندوز على يعقوب بن عبد الحق خير نزل فلقاه من البر والترحيب بماملاء صدره وأكد اغتباطه وأقطعه بناحية مراكش الكفاية له ولقومه وأنزلهم هنالك وجعل انتجاع إبله وراحلته لحسان بن أبي سعيد الصبيحي وأخيه موسى من ذويهم وحاشيتهم وألطف منزلة عبد الله ورفع مكانه بمجلسه واكتفى به في كثير من أمرره وأوفده على المستنصر صاحب إفريقية سنة خمس وستين وستمائة مع عامر ابن أخيه إدريس كما قدمناه واستقر بنو كندوز هؤلاء بالمغرب الأقصى واستمرت الأيام على ذلك وصاروا من جملة قبائل بني مرين وفي عدادهم وهلك عبد الله بن كندوز وصارت رياستهم لعمر ابنه من بعده.
ولما لفت السلطان يوسف بن يعقوب عزائمه إلى بني عبد الواد ونازل تلمسان وطاول حصارها واستطال بنو مرين وذووهم على بني عبد الواد وأحسوا بهم أخذتهم العزة بالإثم وأدركتهم النعرة فأجمع بنو كندوز هؤلاء الخلاف والخروج على السلطان ولحقوا بحاجة سنة ثلاث وسبعمائة واحتفل الأمير بمراكش يعيش بن يعقوب لغزوهم سنة أربع وسبعمائة فناجزوه الحرب بتادرت واستمروا على خلافهم ثم قاتلهم يعيش وعساكره ثانية بتامطريت سنة أربع وسبعمائة فهزمهم الهزيمة الكبرى التي قصت جناحهم وأوهت من رياستهم وقتل جماعة من بني عبد الواد بأزعار وتاكما وأثخن يعيش بن يعقوب في بلاد السوس وهدم تارودانت قاعدة أرضها وأم قراها كان بها عبد الرحمن بن الحسن بن يدر من بقية الأمراء على السوس من قبل بني عبد المؤمن وقد مر ذكرهم وكانت بينه وبين عرب المعقل من الشبانات وبني حسان منذ انقرضت دولة الموحدين حرب سجال هلك في بعضها عمه علي بن يدر سنة ثمان وستين وستمائة وصارت إمارته بعد حين إلى عبد الرحمن هذا ولم يزالوا في حربه إلى أن تملك السوس يعيش بن يعقوب وهدم تارودانت قاعدة أرضها ثم راجع عبد الرحمن أمره وبنى بلده تارودانت هذه سنة ست بعدها ويزعم بنو يدر هؤلاء أنهم مستقرون بذلك القصر من لدن عهد الطوالع من العرب وأنهم لم يزالوا أمراء به تعقد لهم ولايته كابرا عن كابر ولقد أدركت على عهد السلطان أبي عنان وأخيه أبي سالم من بعده شيخا كبيرا من ولد عبد الرحمن فحدثني بمثل ذلك وأنهم من ولد أبي بكر الصديق رضي الله عنه والله أعلم ولم يزل بنو كندوز مشردين بصحراء السوس إلى أن هلك السلطان وراجعوا طاعة الملوك من بني مرين من بعده وعفوا لهم عما سلف من هذه الجريمة وأعادوهم إلى مكانهم من الولاية فأمحضوا النصيحة والمخالصة إلى هذا العهد كما سنذكره إن شاء الله تعالى.

.الخبر عن مهلك المشيخة من المصامدة بتلبيس أبي الملياني:

قد ذكرنا شأن أبي علي الملياني وأوليته في أخبار مغراوة الثانية وما كان من ثورته بمليانة وانتزئه عليها ثم إزعاج العسكر إياه منها ولحاقه بيعقوب بن عبد الحق سلطان بنى مرين وما أحله من مراتب التكرمة والميرة وأقطعه بلد أغمات طعمة فاستقر بها وما كان منه في العبث بأشلاء الموحدين ونبش أجداثهم وموجدة السلطان والناس عليه لذلك وأرصد له المصامدة الغوائل لما كان مد في ذلك ولما هلك يعقوب بن عبد الحق استعمله يوسف بن يعقوب على جبايه المصامدة فلم بضطلع بها وسعى به مشيختهم عند السلطان أنه احتجز المال لنفسه وحاسبوه فصدقوه السعاية فاعتقله السلطان وأقصاه وهلك سنة ست وثمانين وستمائة واصطنع السلطان أحمد ابن أخيه واستعمله في كتابته وأقام على ذلك ببابه وفي جملته وكان السلطان سخط على مشيخة المصامدة علي بن محمد كبير هنتاتة وعبد الكريم بن عيسى كبير كدميوة وأوعز إلى ابنه الأمير على بمراكش باعتقالهما فاعتقله فيمن لهما من الولد والجاشية وأحسن بذلك أحمد بن الملياني فاستعجل الثأر وكانت العلامة السلطانية على الكتاب في الدولة لم تختص بكاتب واحد بل كل منهم بضع العلامة بخطه على كتابه إذا أكمله لما كانوا كلهم ثقاتا أمناء وكانوا عند السلطان كأسنان المشط فكتب أحمد بن الملياني إلى ابن السلطان الأمير بمراكش سنة سبع وتسعين وستمائة كتابا عن أمر أبيه يأمره فيه بقتل مشيخة المصامدة ولا يمهلهم طرفة عين ووضع عليها العلامة التي تنفذ بها الأوامر وختم الكتاب وبعث به مع البريد ونجا بنفسه إلى البلد الجديد وعجب الناس بشأنه ولما وصل الكتاب إلى ابن السلطان بمراكش أخرج أولئك الرهط المعتقلين من المصامدة إلى مصارعهم وقتل على بن محمد وولده وعبد الكريم بن عيسى وولد عيسى وعلي ومنصور وابن أخيه عبد العزيز وطير الأمير وزيره إلى أبيه بالخبر فقتله لحينه حنقا عليه وأنفذ البريد باعتقال ابنه وجرد على ابن الملياني ففقد ولحق بتلمسان ونزل على آل زيان ثم لحق من بعدها بالأندلس عند إفراج السلطان عنها في تلك السنة كما ذكرناه وبها هلك واقتصر السلطان من يومئذ في علامته كل من يختار من صنائعه يثق بأمانته وجعلها لذلك العهد لعبد الله بن أبي مدين خالصته المضطلع بأمور مملكته فاختصت من بعده لهذا العهد والله تعالى أعلم.